السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، الموقع قيد الإنجاز والتطوير، شكراً لزيارتكم الحوزة العلمية - معهد الثقلين للدراسات والعلوم الدينية إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ
معهد الثقلين للدراسات والعلوم الدينية
بيروت - لبنان
للتواصل: تلفاكس: 009611551390

السيرة الذاتية

حجة الإسلام العلامة

السيد علي فضل الله طيب الله ثراه

1332 هـ1427هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

          (يا ايتها النفس المطمئنه(27)ارجعي الى ربك راضية مرضيه(28)فادخلي في عبادي(29)وادخلي جنتي) الفجر (27-29).

          جبل عامل، الجبل الاشم، فوق تربته الطيبة قامت نهضة علمية وثقافية، سايرت الزمان قرناً فقرناً، رغم الضغت والأضطهاد الذي وقع على أهله منذ العصر الأموي... حتى العصر العباسي..الى العصر العثماني وسلطنة الأتراك.

ورغم ما أحاط بأهل جبل عامل، وهم قله بين مخالفيهم مذهبا و سياسة، من ظلم و جور خاصة زمن الوالي التركي أحمد باشا الجزار - البشتاقي- الذي حكم تسعة وعشرين سنة (1775-1804م).

          وكانت عاصمة حكمه الجائر مدينة عكا. وررغم هذا كله بقي ابناء جبل عامل على ما هم عليه من النشاط الديني والعلمي، وذلك بجهود ابنائه من علماء الدين. إذ انشئت في جبل عامل، من عهد قديم، مدارس و معاهد تُدرّس فيها جميع العلوم، خاصة العلم الديني والفقه الجعفري. وصار يؤمها الطلبة من مختلف البلدان المجاورة .

          ومن أبرز مدارس جبل عامل، مدرسة الشهيد الأول (شمس الدين بن مكي محمد الجزيني)، ومدرسة ميس ومشغرة وجباع وعيناثا ووو...

          و في ذلك يقول الشاعر:

وعصرٍ فيه من جبع و ميس

                         وعيناثا مصابيح تشب

          وقد رصعت عيناثا جبين التاريخ بالدرر، بما اخرجته من علماء اعاظم، و فقهاء أفاضل، منهم من كان لهم الفخر بنسبهم الرفيع الذي ينتهي الى الإمام الحسن السبط ابن الإمام علي بن أبي طالب، كآل  فضل الله الكرم.

ومن أغصان دوحة الشرف كان السيد علي فضل الله، ابن السيد محمد حسن بن علي بن هادي بن فخر الدين بن يوسف بن السيد بدر الدين بن علي بن محمد بن جعفر بن يوسف بن محمد بن الحسن بن عيسى بن فاضل بن يحيى بن جوبان بن الحسن بن ذياب بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد بن محمد بن داوود بن إدريس بن داوود بن احمد بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى بن علي بن أبي طالب.

ولادته:

          ولد السيد علي فضل الله الحسني عند انتهاء الحرب العالمية الأوله سنة 1332هـ - 1918ميلادية في بلدة مجدل سلم جنوب لبنان. وفي ولادته قال الشاعر الكبير الشيخ محمد حسين شمس الدين قصيدة طويله منها:

لقد لقبوه علياً علا               وأرخته بأغر لقب

وبعد عام من ولادته، شدَّ والده الرحال الى العراق لإكمال علومه الدينية، في النجف الأشرف، حيث كانت مركزاً للعلم الديني من أصول، وفقه، ونحو وصرف، ومعانٍ و بيان. وغيرها من العلوم الدينية الكلامية والفلسفية والإجتماعية.

          وهناك، في مدارس النجف الأشرف، و أروقة الصحن الشريف، عند مقام الغمام علي (ع) كانت تعقد حلقات الدرس والتدريس و المذاكرة، تغمرهم روحانية المكان المنبعثه من جلال المقام، مقام باب مدينة العلم، ويلفهم أمير البلغاء... فكانو يعبون من منهل العلم في ذلك المقام المقدس.

نشأته:

          درج السيد علي فضل الله الحسني في طفولته و نشأ و ترعرع في النجف الأشرف، وتلقى مبادئ علومه على يد والده السيد محمد حسن و بعض الأفاضل ولما بلغ الأربعة عشر عاماً، صحب والده الذي رجع إلى جبل عامل، مع عائلته واستقر بهم المقام في بلدة عيناثا سنة 1932ميلادية. وبعد مرور اربع سنوات اقام السيد علي في بلدة مجدل سلم حيث كان يملك بعض الأراضي و بيتاً للسكن.

          كان منزل السيد علي فضل الله في بلدة مجدل سلم مؤئلاً لثلة تحلت بالأدب والشعر والفكاهة. وعلى رأس هذه الثلة الشاعر الفضيل الشيخ علي مهدي شمس الدين. فكانو يعقدون السهرات العامرة يتداولون القريض، ويتبارون بنظم الشعر على اختلاف معانيه و بحوره... فكأنها ندوات... وأصبحت تلك الندوات عبارة عن مدرسة أدبية يقصدها الرواد أصحاب الأدب والشعر والفكاهة.

          هكذا أمضى السيد علي أيام شبابه متنقلاً في رياض العلم والأدب، فمن مقره في مجدل سلم إلى عيناثا - موطن الأهل والأحباب- إلى بلدة جويا حيث أخواله السادة من آل نور الدين، خاصةً خاله العلّامة السيد نور الدين و أخوه الأديب الشاعر عبد الحسين نور الدين.

هجرته:

          في مطلع سنة 1948، حيث دارت معارك ضارية بين العرب واليهود في فلسطين، وامتد الزحف الإسرائيلي اليهودي إلى القرى اللبنانية - قرى جبل عامل المتاخمة لفلسطين- ولاقى أهل تلك القرى من القتل والتشريد وويلات الحرب الشيء الكثير؛ لأن ملوك العرب ورؤساءهم كانو ولم يزالو.. متفرقين أشتاتاً... قد مزقتهم يد الإستعمار والأنانية المستولية عليهم. همهم الوحيد المحافظة على الكرسي والسلطان.

          في ذلك الوقت كان السيد علي فضل الله لا يزال مقيماً في بلدة مجدل سلم. فهاجر إلى العراق، إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته في الفقه الإسلامي الجعفري، لأنه كان في ريعان شبابه عازماً على أن يصبح عالماً دينياً، و رائداً من رواد الإصلاح والهداية، وداعياً إلى الدين الإسلامي الحنيف.

          في النجف الأشرف حطّ رحاله، و اسستقرّ به المقام. وانسجم في بيئة النجف مع أترابه طلبة العلم الديني - وخصوصاً العامليين- الذين رحبوا به، وأخذوا يدعونه إلى ولائم في بيوتهم على سبيل التكريم، وإظهار الحب والتعاطف.

          ومن أبرز الولائم وأجلها، وليمة آية الله المرجع الديني الكبير في ذلك الوقت – السيد محسن الحكيم – الذي كانت تربطه بالسيد علي وشائج قربى و رحم. وكان المرجع المقدس السيد محسن يعامله معاملة حسنة كأنه من أفراد عائلته.

            سارت الأمور مع السيد علي في مسراها الطبيعي، فكان يقضي جلّ أوقاته في الدرس والتدريس، والبحث والتدقيق، والمذاكرة مع اصدقاء طيبين من الطلبة العامليين وبعض النجفيين. وفي نهاية الأسبوع يذهبون جماعات للترويح عن النفس إلى الكوفة للقضاء ساعات على شاطئ الفرات. أو يذهبون إلى مسجد الكوفة للصلاة فيه والتبرك بزيارة مقام مسلم بن عقيل الذي بجانبه، أو إلى مسجد السهله المعروف قرب النجف الأشرف.

          وفي عطلة الأسبوع أيضاً - ليلتي الخميس و الجمعة- كانو يذهبون لحضور مجلس تعزية (عزاء سيد الشهداء والإمام الحسين بن علي) عند بعض اللبنانيين العامليين الأكبر سناً و الأقدم هجرة، أمثال المرحوم العلامة السيد حسين مكي، والمرحوم العلامة السيد عبد الرؤوف فضل الله، والعلامة الشيخ محمد تقي الفقيه.

          كانت هذه المجالس، عبارة عن ندوات مذاكرة، يلقي بعض الطلبة سؤالاً، ويدور النقاش... فكانت تلك المجالس الحسينية مفيدة جداً حيث كانت للجميع من طلبة وعلماء... يرتشفون الفائدة مع كؤوس الشاي، ولفائف التبغ- السيكارة- فتحلق أرواحهم في أجواء السعادة، وتختفي الطبقية، والأنانية، فتعمهم الغبطة وينسون ألم الغربة وفراق الأهل و الوطن.

دراسته:

          كانت دراسة السيد علي فضل الله الحسني في النجف الأشرف على المستوى اللائق لطلاب العلم المجدين. فكان من اساتذته الأوائل بعد وصوله إلى النجف، المرحوم العلامة السيد إسماعيل الصدر.. الذي درس عنده المعاني والبيان والمنطق وغيرها من المواد التي يتحتم على الطالب الديني في مدرسة النجف ان يدرسها.

 

          وأما في الفقه، فقد درس اللمعة الديمشقية(1) عند المرحوم العلامة الشيخ محمد طها الكرمي - الحويزي وهو من كبار مدرّسي بحث الخارج آنذاك ولا يدرّس اللمعة ولكنه درّسها للسيد علي إكراماً له- والعلامة الشيخ محمد تقي الجواهري.

كما حضر درس الكفاية في الأصول عند العلامة الشيخ محمد تقي الأيرواني.

ومن أساتذته أيضاً العلماء الأجلاء: السيد محمد تقي بحر العلوم الذي درس عنده كتاب الرسائل في الأصول للشيخ الأنصاري.

كما درس كتاب المكاسب عند المرحوم العلامة الشيخ عباس الرميتي.

وحضر ردحاً من الزمن، درس الفقه على العلامة الكبير السيد علي الغاني مع لفيف من الطلبة العامليين المعروفين بالاستقامة والتحصيل.

وتابع دراسته أيضاً مدة من الزمن في الفقه وغيره عند المرحوم العلامة الكبير الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي. وكان هذا الدرس تمهيداً لدرس الخارج – نصف خارج – محاضرات موسعة  - في الفقه والأصول على كبار المراجع الدينيين في ذلك الوقت أمثال: السيد محسن الحكيم، السيد عبد الهادي الشيرازي، والسيد ابي القاسم الخوئي قدس الله سرهم.

          في سنة 1950 ميلادية تزوج السيد علي فضل الله من الآنسة مريم ابنة خاله الأديب الشاعر السيد عبد الحسين نور الدين من بلدة جويا في جبل عامل. وبهذه المناسبة السعيدة أقيم حفل كبير ضمّ عدداً كبيراً من العلماء الأجلاء.. وخيرة الفضلاء والنخبة من الشعراء والأدباء. وقد ألقيت فيها الكلمات والخطب والقصائد الشعرية التي تحتوي على تقديم التهاني لوالد العريس العلامة الكبير السيد محمد حسن فضل الله.

 

(1)اللمعة الديمشقية للإمام محمد بن مكي- الشهيد الأول- ولد في جزين ودرس على أبيه وأتم تحصيله في العراق- الحلة- حتى أصبح من أشهر علماء الإمامية. لم يسلم من شرور التعصب فوشى به حساده، وقبض عليه و سجن في قلعة دمشق وقتل بعد 11شهراً وصلب، وأحرقت جثته سنة 1384م. بفتوى القاضي ابن جماعة في عصر السلطان برقوق.

 

عودته من العراق إلى وطنه لبنان:

          في سنة 1962ميلادية، وبعد مضي حوالي 15سنة من الهجرة في طلب العلم في جامعة النجف الأشرف رجع السيد علي فضل الله الحسني إلى وطنه لبنان يحمل شهاداته - إجازته العلمية- الحائز عليها من كبار المراجع الآنفي الذكر، التي تدل على تحصيله العلمي وجده واجتهاده وتقواه.

          وكان السيد علي أيضاً محل ثقة الجميع من أساتذته ومعارفه و قد شهدو له بالتحصيل العلمي والتقوى والصلاح. كما أعطاه الإمام روح الله الخميني وكالة مطلقة تدل على مكانته العلمية وتحصيله.

          ولما وصل إلى وطنه الحبيب، لم يجعل إقامتة في بلدته عيناثا - لبنان الجنوبي - جبل عامل - بل استقر به المقام في الضاحية الجنوبية من مدينة بيروت- برج البراجنة.

نشاطه الديني والإجتماعي:

          في بيروت، وفي برج البراجنه حيث إستقر المقام بالسيد علي فضل الله الحسني، أخذ يمارس واجبته الدينية والإجتماعية، وكل ما يترتب على العالم الديني القيام به. فكان يؤم الناس لصلاة الجمعة و الجماعة في مسجد برج البراجنة؛ و بعد إنتهاء الصلاة كانت تعقد حلقة الدرس لطالبي التفقه بالدين.

          كذلك أسس في منزله حلقة تدريس واسعة يدرس فيها الفقه، والنحو والعلوم الإجتماعية حتى تحول منزله و المسجد ايضاً إلى مدرسة دينية يلقي على طلابه دروس الفقه و النحو و المنطق.

          كان من نشاطه الإجتماعي، تأسيسه لجمعية الإمام الحسين بن علي في برج البراجنة.

          ومن نشاطه الإجتماعي ايضاً، انه اسس جمعية التعليم الديني الإسلامي المجاني، في جميع انحاء لبنان. فكان هو المؤسس، والرئيس مع بعض الإخوان من العلماء الأفاضل.

          كذلك ساهم في تأسيس جمعية الهداية والإرشاد العلمية.

          كذلك كان الساعد الأيمن لوالده العلامة السيد محمد حسن فضل الله، والمرحوم العلامة الشيخ موسى عز الدين وغيرهما، عندما قاموا بتأسيس جمعية علماء الدين في مدينة صور.

          وأما المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، فقد كان السيد علي فضل الله أحد مؤسسيه والقائمين على تركيزه، ودعائمه ومن أعضائه الإثني عشرالذين لهم اليد الطولة ولهم الفضل بالجهود التي بذلت في إنشاء هذا المجلس.

          وبعد مدة وجيزة من إقامته في لبنان- بيروت-، دُعي لتولي منصب القضاء الجعفري. فرأى أنّ الواجب عليه أن يلبّي الدعوة، لعل من خلال سلطته الشرعية يتمكن من ان يقيم حقاً او يدحض باطلاً، لأن الكثيرين من الناس ينظرون الى السلطة نظرة الرهبة والإحترام !...      

          ومشت به الأيام، فكان قاضياً شرعياً نزيهاً، يعمل بتقوى الله وما يمليه عليه دينه وضميره. فكان في محكمة صور، ثم انتقل إلى محكمة النبطية ومنها إلى بيروت. وكل من عرفه يشهد له بأن حكمه العدل، والإنصاف، لا تأخذه في الله لومة لائم. ومن صراحته و عدم تحيزه إلاَّ للحق، ما رواه احد الثقاة الحج علي بيرم، و هو مساعد قضائي في محكمة بيروت الشرعية الجعفرية التي كان يرأسها السيد علي فضل الله: أنه دخل أحد الزعماء من النواب البارزين ليتوسط لأحد المتداعين، فما كان من السيد إلاَّ ان التفت اليه قائلاً: ما قولك غداً يوم الحساب الأكبر، إذا سئلت عن هذه الدعوى، هل حكمت بالعدل؟ فهل يكون الجواب مني: لقد توسط لدي صاحب الوجاهة فلان فلم يسعني رده!؟. فبهت الزعيم ولم يحر جواباً. وهكذا كانت سيرته في المحكمة... النزاهة... و الاستقامة... والعدل...

          و أخيراً، أستقر به الامر، لأن يكون في محكمة بيروت الشرعية الجعفرية العليا المستشار الاول.

نشاطه العلمي و الأدبي:

            ومع ممارسته للقضاء، لم ينسى ما جبل عليه من حب المطالعة ، والإستفادة وإفادة الناس، رغم مشاغله في القضايا الاجتماعية، وقضايا المحاكم، والنظر في الدعاوى، وإصلاح ذات البين، أخذ بالتأليف والنشر؛ ولم يلهه القضاء أو الوظيفة عن الكتابة بما يفيد الناس، حيث يكون له هذا العمل ذكراً وذخيرة، تطبيقاً لما روي: إذا مات إبن آدم إنقطع أمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له.

          ولهذا التاريخ، صدر للسيد علي فضل الله من الكتب المطبوعة: في ظلال الوحي الطبعة الثالثة، الأخلاق الإسلامية الطبعة الرابعة، سيرة الرسول وخلفائه- صدر منه للآن سبعة أجزاء، كشكول الحسني مخطوط.

          ولم يقتصر على النشر والتأليف، بل كان صاحب روح شعريه فقد نظم الشعر وهو في مطلع شبابه، وله قصائد في شتّى الميادين.        


الأرشيف الكامل للدروس
أصول
فقه
رجال
تواصل معنا على إحدى المنصات التالية


©جميع الحقوق محفوظة
.