السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، الموقع قيد الإنجاز والتطوير، شكراً لزيارتكم الحوزة العلمية - معهد الثقلين للدراسات والعلوم الدينية إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ
معهد الثقلين للدراسات والعلوم الدينية
بيروت - لبنان
للتواصل: تلفاكس: 009611551390

رقم الدرس: 731
عنوان الدرس: أدلة القول بحجية خبر الواحد
المدّرس: سماحة آية الله السيد عبد الكريم فضل الله
الحجم: 8.8 Mb
مرات الإستماع: 51

المتن: الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:
- التعارض بين المفهوم وعموم التعليل.
- رفع التعارض من باب الحكومة.
- شرح معنى الحكومة وانها تساوق الحقيقة الادعائية عند السكاكي.
- الفرق بين الحكومة والورد، هو الفرق بين التخصيص والتخصص اعتبارا.

نعود للكلام عن دلالة آية النبأ، ونذكر ان الكلام كلّه عبارة عن فوائد جانبيّة هامشيّة أكثر من الفائدة ببحث دلالة الآية، فالاستدلال على حجيّة خبر الواحد شيء وفوائد الأبحاث شيء آخر، نحن ندرس محاكمات الآية ودلالاتها لأجل هذه الفوائد لأنها مهمّة جدا في تنميّة قوّة الاستنباط ومحاكمات الألفاظ.
قلنا ان الآية فيها مفهوم وعموم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ ، المفهوم: من "ان جاءكم فاسق": يعني "ان جاءكم عادل فلا تتبيّنوا"، وايضا هناك عموم: "ان تصيبوا قوما بجهالة" الظاهر في التعليل، أي "حذار ان تصيبوا قوما بجهالة"، هذا العموم تعليل، كل ما ثبتت العلّة ثبت المعلول، يعني انه يشمل حالة خبر العادل والفاسق، كما بيّنا بان العادل يمكن ان يخطئ فيوقع في مفسدة: "فتصيبوا قوما بجهالة"، والفاسق ايضا قد يخطئ ويوقع في مفسدة: "فتصيبوا قوما بجهالة"، فإذن العام يشمل خبر العادل وخبر الفاسق لان كليهما يمكن ان يخطئ.
إذن اصبح هناك مشكلة وهي التعارض بين المفهوم والعموم أي عموم التعليل، ومسألتنا اليوم في كيفية حلّ هذا التعارض والتنافي، هل نقدّم المفهوم على العموم أو يقدّم العموم على المفهوم؟.
وهذا الكلام كلّه بناء على ان "الجهالة" بمعنى الجهل مقابل العلم، اما إذا كانت الجهالة بمعنى السفاهة فلا علاقة للإشكال هنا.
فلو سلّم بأن الجهالة بمعنى الجهل مقابل العلم، فنتسائل: ايهما محكوم للآخر، هل المفهوم هو المحكوم لعموم التعليل أو العكس، أيهما أقوى ظهورا ومقدّما؟
في بحث الألفاظ ليس هناك أمورٌ عقليّة، هناك ما تفاهم عليه أهل المحاورة، لا دور للعقل، لذلك نحن سابقا اشكلنا على الشيخ الانصاري (ره) في بحث الهيئة، قلنا لا دخالة للعقل في الظهورات اللفظية.
وبعبارة أخرى: يمكن ان تقع إشكالات عقليّة، وحينئذ ينبغي ان أقول: ان هناك إشكالات وانا لم استطع حلّها. ومناط المسألة في بحث الالفاظ هي الظهورات العرفيّة. لذلك المقدّم هو المقدّم عرفا، كما في تقديم الخاص على العام، والمقيّد على المطلق، والاظهر على الظاهر وغير ذلك، المسألة عرفية بمعنى عرف اللغة، وعرف أهل المحاورة، وعرف الناس.
فأيهما مقدّم على الآخر؟
فنقول: إن عموم التعليل: "ان تصيبوا قوما بجهالة" محكوم للمفهوم وليس حاكما. المفهوم هو المقدّم، أي أنتم قلتم ان هناك تعارضا بين المفهوم وعموم التعليل، إذ لو كان الجهل بمعنى عدم العلم فانه يشمل خبر الفاسق والعادل، والمفهوم يؤدي إلى حجيّة خبر العادل فقط، فصار التعارض بين المفهوم وبين التعليل، فقالوا نقدم التعليل على المفهوم، وسنرى العكس ونرى ان التعليل محكوم للمفهوم وليس العكس. ويأتي بيانه:
بيانه: إن التعليل: "ان تصيبوا قوما بجهالة" عام يشمل الفاسق والعادل، فان العادل قد ينسى أو يسهو أو يخطئ أو تضعف نفسه فيكذب فانه وليس معصوما، فالمعنى حينئذ: "لا يجوز العمل بغير العلم".
والعلم قسمان: وجداني واعتباري.
الوجداني لا يحتاج إلى دليل كما إذا قطعت ان النهار طالع، وهناك علم اعتباري وهو ما اعتبره الشارع علما.
ففي بداية دراسة الامارات قبل مبحث الشهرة والاخبار، قلنا ان الخبر انما تكون حجيّته من باب تتميم الكشف، هو كشف ناقص اتمّه الله عز وجل وقال اعتبره كشفا تاما، لذلك نعبّر عنه تتميم الكشف أي علم اعتباري، ولذلك سمّي علميا، والعلميات هي: خبر الواحد، والشهرة، والظن المطلق، وقول الصحابي، وأصحاب المدينة، والقياس، والاستحسان، وغير ذلك، عند أبناء العامّة، ومعظمها لا نقول نحن بحجيّته.
سميت علميّات لان حكمها حكم العلم، العلم كشف تام، والعلميّات كشف ناقص اعتبره الشارع كشفا تامّا، لذلك عبّر الاصوليون بان الامارات هي عبارة عن تتميم كشف، فالطريقية هي تتميم كشف. والاخبار كشف، لا سببية ولا مصلحة سلوكيّة. ومعنى الطريق إلى الواقع ان الدليل كشف ناقص وأنا اتممته.
فمفهوم: "إن جاءكم فاسق فتبيّنوا" لو قلنا بالمفهوم هو اعتبار خبر العادل الظنّي، أي جعله كالعلم، ولذا سمّي بالعلمي، أي هو علم اعتبارا، وذلك لما ذهبنا إليه من ان الحجيّة في الامارات ومنها الأخبار معناها تتميم الكشف بخلاف الاقوال الأخرى. فهي كشف تام اعتبارا.
فإذن يكون المفهوم حاكما على التعليل "ان تصيبوا قوما بجهالة" عموم يشمل الفاسق والعادل، والجهالة بمعنى الجهل مقابل العلم، فيكون المعنى "اعمل بالعلم" وجاء المفهوم يقول: ان الخبر الظني علم، فصار من باب الحكومة، فيكون مقدما عليه من باب الحكومة، ويكون المفهوم حاكما على التعليل، أي وسع موضوعه، فالقطع كشف تام وجاء المفهوم ليقول ان الخبر الذي هو ظن وجدانا ننزله منزلة العلم اعتبارا، وهذه هي الحكومة.
والحكومة هي أن ينظر دليل إلى موضوع دليل آخر، موسعا أو مضيقا ناظرا لأثره، ليكون الحكم حينئذ تابعا لهذه التوسعة وهذا التضييق.
مثال التوسعة: "الطواف صلاة" فوسّع مفهوم الصلاة ليدخل فيه الطواف، فثبت أحكامها للطواف، مع العلم أن الصلاة شيء والطواف شيء آخر. وأيضا: "الفقاع خمر استصغره الناس"، أراد اثبات حكم الخمر للفقاع الذي هو ليس خمر.
ومثال التضييق: "لا ربا بين الوالد وولده" حيث أخرج الربا عن كونه ربا، فخرجت احكامه.
فيكون الدليل الحاكم دائما ناظرا إلى الأثر الثابت في الدليل المحكوم، فيثبته أو ينفيه بلسان أثبات أو نفي موضوعه.
وللتوضيح أكثر:
درسنا في علم البلاغة في المعاني والبيان: المجاز في مثل: "زيد اسد"، وذكرنا في المجاز وان المشهور وما ذهب اليه عبد القاهر الجرجاني، وهو ان لفظ "اسد" استعمل في غير ما وضع له فكان مجازا في اللفظ، لان المجاز تارة مجاز في الاسناد، وتارة مجاز في الالفاظ، فاللفظ مجاز لأنه استعمل في غير ما وضع له، هذا هو المشهور.
اما عند السكاكي فقد خرج بنظريّة الحقيقة الادعائية، وهي الحكومة بعينها، أي ندّعي بأن لفظ "اسد" مستعملة في لفظها ومعناها الادعائي، ولم تستعمل في غير ما وضع له، بل المتكلّم نزّل كلمة "اسد" التي تدل على الحيوان المفترس وادّعى انها موضوعه للحيوان المفترس وللرجل الشجاع، أي وسّع الموضوع له ادعاءا، وعندما حمل "اسد" على زيد كان حملا حقيقيا. وليس من باب المجاز العقلي، لأنه لا يوجد مجاز في الاسناد كما في مثال: " بنى فرعون الاهرام"، ولا مجازا في اللفظ لأنه استعمل اللفظ في ما وضع له ادعاءا، وهذا هو نفس الحكومة، التي سمّاها الشيخ الانصاري (ره) حكومة.
فكلام السكاكي هو نفسه كلام الشيخ فليس هناك مجاز أصلا، فالحكومة والورود لم يبتدعهما الشيخ الانصاري (ره)، أشار اليها صاحب الجواهر (ره)، واخذها الشيخ الانصاري ووسعها. فالمحقق الرشتي (ره) درس عند الشيخ الانصاري وهما من تلامذة صاحب الجواهر، لكي يفهم معنى الحكومة والورود.
فإذا تصورنا جيدا كلام السكاكي نفهم معنى الحكومة والورود، ونفهم حينئذ الخلاف الواقع بين الأصوليين أي آثار تخرج، هل تخرج كل الآثار، أو يخرج القدر المتيقّن، أو يخرج ما ينصرف اليه الذهن عند اطلاق اللفظ، أي اللوازم بالمعنى الأخص. فالآثار في الحكومة محل كلام ونحن نذهب إلى خروج ما ينصرف اليه الذهن أي اللوازم.
والحكومة أذن هي أن ينظر دليل إلى موضوع دليل آخر، موسعا أو مضيقا ناظر لأثره، ليكون الحكم حينئذ تابعا لهذه التوسعة وهذا التضييق. عندما أقول: الطواف صلاة، فهو إدعاء من الشارع بأن لفظ الصلاة يشمل الطواف، فهو حقيقة أدعائية. وانما فعل ذلك ليرتب آثار الصلاة على الطواف. وهل تثبت جميع الاحكام أو بعضها؟. وكمثال آخر: "المطلقة الرجعية زوجة أو بحكم الزوجة"، فإذا قلنا "بحكم الزوجة" شيء، و "زوجة" شيء آخر. فالمطلّقة الرجعيّة هل يحق للزوج ان تصافح زوجته من دون نيّة الرجوع؟
هذه المسألة تتبع هذه القاعدة، وهي ما هو مقدار الحكومة والثبوت. وكذلك في مثال " زيد اسد" ما هو مقدار ثبوت الآثار لزيد.
استطراد: ما الفرق بين الحكومة والورود: قالوا إن الحكومة تنظر إلى الموضوع سعة وضيقا، وهي تخصيص تعبدا، والورود تخصص تعبدا يرفع الموضوع.
فالتخصيص هو خروج افراد من الموضوع، اما التخصص رفع الموضوع من الأساس. وقد التبس هذا الأمر على بعضهم.
وللتوضيح نضرب مثالا: "ما فيها احد إلا زيدا" هذا تخصيص، و" ما فيها احد إلا حمارا" هذا تخصص.
ففي المثال الأول: "احد" يشمل العاقل فقط، الاستثناء متصل وتخصيص في الاول، والاستثناء منقطع وتخصص في الثاني، وهذا في الاصطلاحات النحوية. والورود يكون من الاستثناء المنقطع أي تخصص اعتبارا، والحكومة تخصيص وأيضا اعتبارا. سنكمل البيان غدا ان شاء الله.





الأرشيف الكامل للدروس
أصول
فقه
رجال
تواصل معنا على إحدى المنصات التالية


©جميع الحقوق محفوظة
.